فصل: كَذِب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


كَذِب

التعريف

1 - الكذب لغةً‏:‏ الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، سواء فيه العمد والخطأ‏.‏

ولا يخرج اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التزوير‏:‏

2 - التزوير في اللّغة‏:‏ تزيين الكذب، وزورت الكلام في نفسي‏:‏ هيأته‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه أنّه بخلاف ما هو عليه في الحقيقة، فهو تمويه الباطل بما يوهم أنّه حقّ‏.‏

وبين الكذب والتزوير عموم وخصوص وجهيّ، فالتزوير يكون في القول والفعل، والكذب لا يكون إلا في القول‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ تزوير ف / 1‏)‏‏.‏

والكذب قد يكون مُزيناً أو غير مزين، والتزوير لا يكون إلا في الكذب المموه‏.‏

ب - الافتراء‏:‏

3 - الافتراء في اللّغة والاصطلاح‏:‏ الكذب والاختلاق، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ‏}‏ أي اختلقه وكذب به على الله‏.‏

والصّلة بين الكذب والافتراء عموم وخصوص مطلق، فإنّ الكذب قد يقع على سبيل الإفساد، وقد يكون على سبيل الإصلاح، كالكذب للإصلاح بين المتخاصمين، أما الافتراء فإنّ استعماله لا يكون إلا في الإفساد ‏(‏ر‏:‏ افتراء ف / 1‏)‏‏.‏

الحكم التكليفيّ

4 - الأصل في الكذب أنّه حرام بالكتاب والسّنّة وإجماع الأمة، وهو من أقبح الذّنوب وفواحش العيوب، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ‏}‏‏.‏

وروى ابن مسعود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البر يهدي إلى الجنّة، وإنّ الرجل ليصدق حتى يكون صدّيقاً، وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النار، وإنّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً»‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «كبرت خيانةً أن تحدّث أخاك حديثاً هو لك به مصدّق وأنت له به كاذب»‏.‏

وإجماع الأمة منعقد على تحريمه مع النّصوص المتظاهرة على ذلك‏.‏

5- وقد يكون الكذب مباحاً أو واجباً، فالكلام وسيلة إلى المقاصد، وكلّ مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب فيه، ثم إن كان تحصيل ذلك القصد مباحاً كان الكذب مباحاً وإن كان واجباً كان الكذب واجباً، كما أنّ عصمة دم المسلم واجبة، فإذا كان في الصّدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب، ومحلّ الوجوب ما لم يخش التبين ويعلم أنّه يترتب عليه ضرر شديد لا يحتمل‏.‏

وإذا كان لا يتمّ مقصود الحرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجنيّ عليه إلا بكذب فالكذب فيه مباح، إلا أنّه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن ‏;‏ لأنّه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغنى عنه، وإلى ما لا يقتصر على حدّ الضرورة، فيكون الكذب حراماً إلا لضرورة، والذي يدلّ على هذا الاستثناء ما ورد عن أمّ كلثوم رضي الله عنها‏:‏ أنّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً»، وورد عنها‏:‏ «لم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث‏:‏ الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها»، فهذه الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء وفي معناها ما عداها إذا ارتبط به مقصود صحيح له أو لغيره‏.‏

فأما ما هو صحيح له فمثل أن يأخذه ظالم ويسأله عن ماله فله أن ينكره، أو يأخذه سلطان فيسأله عن فاحشة بينه وبين الله تعالى ارتكبها فله أن ينكر ذلك، فيقول ما زنيت، ما سرقت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله وليتب إلى الله فإنّه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل»، وذلك أنّ إظهار الفاحشة فاحشة أخرى، فللرجل أن يحفظ دمه وماله الذي يؤخذ ظلماً وعرضه بلسانه وإن كان كاذباً‏.‏

وأما عرض غيره فبأن يُسأل عن سرّ أخيه فله أن ينكره، ونحو ذلك، ولكنّ الحد فيه أنّ الكذب محذور، ولو صدق في هذه المواضع تولد منه محذور، فينبغي أن يقابل أحدهما بالآخر، ويزن بالميزان القسط، فإذا علم أنّ المحذور الذي يحصل بالصّدق أشدّ وقعاً في الشرع من الكذب فله أن يكذب، وإن كان المقصود أهون من مقصود الصّدق فيجب الصّدق، وقد يتقابل الأمران بحيث يتردد فيهما، وعند ذلك الميل إلى الصّدق أولى ‏;‏ لأنّ الكذب يباح لضرورة أو حاجة مهمة، فإن شك في كون الحاجة مهمةً، فالأصل التحريم، فيرجع إليه‏.‏ ولأجل غموض إدراك مراتب المقاصد وينبغي أن يحترز الإنسان من الكذب ما أمكنه، وكذلك مهما كانت الحاجة له فيستحبّ له أن يترك أغراضه ويهجر الكذب، فأما إذا تعلق الغرض بغيره فلا تجوز المسامحة لحقّ الغير والإضرار به‏.‏

وقالت طائفة من العلماء‏:‏ لا يجوز الكذب في شيء مطلقاً، وحملوا الكذب المراد في حديث أمّ كلثوم بنت عقبة على التورية والتعريض، كمن يقول للظالم دعوت لك أمس، وهو يريد قوله‏:‏ اللهم اغفر للمسلمين، ويعد امرأته بعطية شيء، ويريد إن قدر الله ذلك‏.‏

واتفقوا على أنّ المراد بالكذب في حقّ المرأة والرجل إنّما هو فيما لا يسقط حقّاً عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها‏.‏

تغليظ الكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم

6 - الكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم من الكبائر التي لا يقاومها شيء، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كذباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ‏}‏، وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ‏}‏ وعن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ عدّ هذين كبيرتين هو ما صرحوا به وهو ظاهر، بل قال أبو محمد الجوينيّ‏:‏ إنّ الكذب على النبيّ صلى الله عليه وسلم كفر، وقال بعض المتأخّرين‏:‏ وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى أنّ الكذب على الله ورسوله كفر يخرج عن الملة ولا ريب أنّ تعمّد الكذب على الله ورسوله في تحليل حرام أو تحريم حلال كفر محض، وإنّما الكلام في الكذب عليهما فيما سوى ذلك‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ وكما يحرم تعمّد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّه يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعاً، أو غلب على ظنّه وضعه ولم يبيّن حال رواته ووضعه، فهو داخل في هذا الوعيد مندرج في جملة الكذابين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من حدث عنّي بحديث يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين»‏.‏

ولهذا قال العلماء‏:‏ ينبغي لمن أراد رواية الحديث أو ذكره أن ينظر فإن كان صحيحاً أو حسناً قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعله، أو نحو ذلك من صيغ الجزم، وإن كان ضعيفاً فلا يقل‏:‏ قال أو فعل أو أمر أو نهى وشبه ذلك من صيغ الجزم، بل يقول‏:‏ روي عنه كذا أو جاء عنه كذا أو يروى أو يذكر أو يحكى أو يقال أو بلغنا وما أشبهه‏.‏ والله أعلم‏.‏

اليمين الكاذبة

7 - اليمين الكاذبة وتسمى الغموس وهي التي يحلفها الإنسان عامداً عالماً أنّ الأمر بخلاف ما حلف عليه ليحق بها باطلاً أو يبطل حقّاً‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح ‏(‏أيمان ف / 102 - 114‏)‏‏.‏

شهادة الزّور

8 - شهادة الزّور‏:‏ هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏شهادة الزّور ف / 1 - 2‏)‏‏.‏

الكذب في المزاح

9 - الكذب في المزاح حرام كالكذب في غيره، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب من المزاحة، ويترك المراء وإن كان صادقاً»، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّي لأمزح ولا أقول إلا حقّاً»‏.‏

الكذب في ملاعبة الصّبيان

10 - ينبغي الحذر من الكذب في ملاعبة الصّبيان فإنّه يكتب على صاحبه، وقد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال‏:‏ «دعتني أمّي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت‏:‏ ها تعال أعطيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وما أردت أن تعطيه‏؟‏ قالت‏:‏ أعطيه تمراً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أما إنّك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من قال لصبيّ تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة»‏.‏

الكذب في الرّؤيا

11 - حذر الشارع من الكذب في الرّؤيا ونهى عنه، فعن واثلة بن الأسقع قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل»، وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من تحلم كاذباً كلّف يوم القيامة أن يعقد بين شعرتين ولن يعقد بينهما»‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ إنّما اشتد فيه الوعيد مع أنّ الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدةً منه ‏;‏ إذ قد تكون شهادةً في قتل أو حدّ أو أخذ مال، لأنّ الكذب في المنام كذب على الله أنّه أراه ما لم يره، والكذب على الله أشدّ من الكذب على المخلوقين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏، وإنّما كان الكذب في المنام كذباً على الله لحديث‏:‏ «الرّؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النّبوة»، وما كان من أجزاء النّبوة فهو من قبل الله تعالى‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ قال علماؤنا‏:‏ إن قيل من كذب في رؤياه ففسرها العابر له أيلزمه حكمها‏؟‏ قلنا‏:‏ لا يلزمه، وإنّما كان ذلك في يوسف عليه السلام عندما قال للساقي‏:‏ إنّك تردّ على عملك الذي كنت عليه من سقي الملك بعد ثلاثة أيام، وقال للآخر وكان خبازاً‏:‏ وأما أنت فتدعى إلى ثلاثة أيام فتصلب فتأكل الطير من رأسك، قال الخباز‏:‏ والله ما رأيت شيئاً، قال‏:‏ رأيت أو لم تر ‏{‏قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ‏}‏‏.‏

لأنّه نبيّ وتعبير النبيّ حكم، وقد قال‏:‏ إنّه يكون كذا وكذا فأوجد الله ما أخبر كما قال تحقيقاً لنبوته‏.‏

من انتسب إلى غير أبيه

12 - إنّ من الكبائر التي حذر منها الشارع لما يترتب عليها من المفاسد وتغيير ما شرع الله تعالى أن ينتسب المرء إلى غير أبيه، أو يدعي ابناً ليس ابنه وهو يعلم أنّه كاذب فيما ادعاه، فعن أبي هريره رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر»، والكفر المذكور في الحديث له تأويلان ذكرهما النّوويّ‏:‏ أحدهما‏:‏ أنّه في حقّ المستحلّ، والثاني‏:‏ أنّه كفر النّعمة والإحسان وحقّ الله تعالى وحقّ أبيه، وليس المراد الكفر الذي يخرج عن ملة الإسلام‏.‏

وكذلك الحكم لمن ينفي نسب ابنه وهو يعلم كذبه لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «أيّما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنّته، وأيّما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رءوس الأولين والآخرين يوم القيامة»‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏نسب، استلحاق ف / 2‏)‏‏.‏

الكذب في البيع والغشّ فيه

13 - من المنكرات المعتادة في الأسواق الكذب في المرابحة وإخفاء العيب فمن قال‏:‏ اشتريت هذه السّلعة بعشرة وأربح فيها كذا، وكان كاذباً فهو فاسق، وعلى من عرف ذلك أن يخبر المشتري بكذبه، فإن سكت مراعاةً لقلب البائع كان شريكاً له في الإثم وعصى بسكوته‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏غشّ ف / 5‏)‏‏.‏

غشّ الوالي رعيته وكذبه عليهم

14 - غشّ الوالي رعيته وكذبه عليهم من الكبائر، فمن قلده الله شيئاً من أمر المسلمين واسترعاه عليهم ونصبه لمصلحتهم في دينهم ودنياهم، وجب عليه أن ينصح لهم وألا يغشهم، وأن يكون صادقاً معهم، وإلا استحق ما أعده الله له من العذاب الأليم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ثلاثة لا يكلّمهم الله ولا يزكّيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم‏:‏ شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر»، وعن معقل بن يسار قال‏:‏ «إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا يسترعي الله عبداً رعيةً يموت حين يموت وهو غاشّ لها إلا حرم الله عليه الجنّة»‏.‏

وعنه رضي الله عنه ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنّة»، قال القاضي عياض‏:‏ إذا خان الأمير فيما أؤتمن عليه فلم ينصح فيما قلده إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم، وأخذهم به، وإما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذبّ عنها لكلّ متصدّ بإدخال داخلة فيها، أو تحريف لمعانيها أو إهمال حدودهم، أو تضييع حقوقهم، أو ترك حماية حوزتهم ومجاهدة عدوّهم أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم، وقد نبه صلى الله عليه وسلم أنّ ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة عن الجنّة‏.‏ والله أعلم‏.‏

التحدّث بكلّ ما سمع

15 - نهى الشارع أن يحدّث المرء بكلّ ما سمع، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكلّ ما سمع»، قال النّوويّ‏:‏ والآثار في هذا الباب كثيرة، وفي هذا الزجر عن التحدّث بكلّ ما سمع الإنسان، فإنّه يسمع في العادة الصّدق والكذب، فإذا حدث بكلّ ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن، ومذهب أهل الحقّ أنّ الكذب‏:‏ الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، ولا يشترط فيه التعمّد، لكنّ التعمّد شرط في كونه إثماً‏.‏

الاستغناء عن الكذب بالمعاريض

16 - نقل عن بعض السلف‏:‏ أنّ في المعاريض مندوحةً عن الكذب، قال عمر رضي الله عنه‏:‏ أما في المعاريض ما يكفي الرجل عن الكذب، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، وإنّما أرادوا بذلك إذا اضطر الإنسان إلى الكذب، فأما إذا لم تكن حاجة وضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعاً، ولكنّ التعريض أهون‏.‏

ومثال التعريض‏:‏ ما روي أنّ معاذ بن جبل رضي الله عنه كان عاملاً لعمر رضي الله عنه فلما رجع قالت امرأته‏:‏ ما جئت به مما أتى به العمال إلى أهلهم‏؟‏ وما كان قد أتاها بشيء، فقال‏:‏ كان عندي ضاغط، قالت‏:‏ كنت أميناً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند أبي بكر رضي الله عنه، فبعث عمر معك ضاغطاً‏.‏ وقامت بذلك بين نسائها، واشتكت عمر، فلما بلغه ذلك دعا معاذاً وقال‏:‏ بعثت معك ضاغطاً‏؟‏ قال‏:‏ لم أجد ما أعتذر به إليها إلا ذلك، فضحك عمر رضي الله عنه وأعطاه شيئاً، فقال‏:‏ أرضها به، ومعنى قوله‏:‏ ‏"‏ ضاغطاً ‏"‏ يعني رقيباً، وأراد به الله سبحانه وتعالى‏.‏

وكان النّخعيّ لا يقول لابنته‏:‏ أشتري لك سكراً، بل يقول‏:‏ أرأيت لو اشتريت لك سكراً‏؟‏ فإنّه ربما لا يتفق له ذلك، وكان إبراهيم إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار قال للجارية‏:‏ قولي له‏:‏ اطلبه في المسجد، ولا تقولي‏:‏ ليس هنا كي لا يكون كذباً‏.‏

وهذا كلّه في موضع الحاجة، فأما في غير موضع الحاجة فلا ‏;‏ لأنّ هذا تفهيم للكذب وإن لم يكن اللفظ كذباً فهو مكروه على الجملة، كما روى عبد الله بن عتبة قال‏:‏ دخلت مع أبي على عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، فخرجت وعلي ثوب، فجعل الناس يقولون‏:‏ هذا كساكه أمير المؤمنين‏؟‏ فكنت أقول‏:‏ جزى الله أمير المؤمنين خيراً، فقال لي أبي‏:‏ يا بني اتق الكذب وما أشبهه فنهاه عن ذلك ‏;‏ لأنّ فيه تقريراً لهم على ظنّ كاذب لأجل غرض المفاخرة، وهذا غرض باطل لا فائدة فيه‏.‏

وتباح المعاريض لغرض خفيف كتطييب قلب الغير بالمزاح، كما روي عن الحسن قال‏:‏

«أتت عجوز إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال لها صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يدخل الجنّة عجوز، فبكت فقال‏:‏ إنّك لست بعجوز يومئذ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً‏}‏»، وقال زيد بن أسلم‏:‏ «إنّ امرأةً يقال لها أمّ أيمن جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إنّ زوجي يدعوك، قال‏:‏ ومن هو‏؟‏ أهو الذي بعينه بياض‏؟‏ قالت‏:‏ والله ما بعينه بياض، فقال‏:‏ بلى، إنّ بعينه بياضاً، فقالت‏:‏ لا والله، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما من أحد إلا وبعينه بياض» وأراد به البياض المحيط بالحدقة‏.‏

وحديث أنس بن مالك‏:‏ «أنّ رجلاً استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّي حاملك على ولد الناقة، فقال‏:‏ يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وهل تلد الإبل إلا النّوق‏؟‏، وكان يمزح به»‏.‏

كِراء

انظر‏:‏ إجارة‏.‏

كِراء العَقِب

التعريف

1 - الكراء - بالمدّ - الأجرة، وهو في الأصل مصدر من كاريته من باب قاتل، والفاعل مكار على النقص والجمع مكارون، ومكارين، مثل‏:‏ قاضون وقاضين، وأكريته الدار وغيرها إكراءً فاكتراه بمعنى آجرته فاستأجر، والكريّ على فعيل مكري الدوابّ‏.‏

والعقب في الأصل مجيء الشيء بعقب الشيء الآخر أي متأخّراً عنه، ومنه قولهم في الليل والنهار‏:‏ المتعاقبان، أي يأتي كلّ منهما عقب صاحبه، والعقبة‏:‏ النّوبة والجمع عقب، مثل غرفة وغرف وتعاقبوا على الراحلة ركب كلّ واحد عقبةً‏.‏

وكراء العقب عند الفقهاء‏:‏ أن يؤجّر دابةً لرجلين ليركب هذا أياماً وذا أياماً أخر، أو ليركب هذا مسافةً معلومةً من الطريق وذا مسافةً معلومةً أخرى، وسمّيت هذه الإجارة بهذا الاسم‏;‏ لأنّ كلّاً منهما يعقب صاحبه ويركب موضعه‏.‏

الحكم التكليفيّ

2 - قال جمهور الفقهاء‏:‏ يجوز كراء العقب وله صورتان‏:‏

الأولى‏:‏ أن يؤجّر دابته لرجلين ليركب هذا أياماً وذا أياماً معلومةً بالتناوب، أو ليركب أحدهما مسافةً معلومةً كنصف الطريق أو ربعه مثلاً ويركب الآخر مسافةً معلومةً أخرى ما لم تكن هناك عادة، فإن كانت هناك عادة مضبوطة بزمان أو مسافة اتّبعت‏.‏

والثانية أن يؤجّرها شخصاً ليركبها بعض الطريق مضبوطاً - كما سبق - بزمان أو مسافة معلومتين ويركب المؤجّر البعض الآخر تناوباً مع عدم شرط البداءة بالمؤجّر - كما هو نص الشافعية - سواء أشرطاها للمستأجر أم أطلقا أو قالا ليركب أحدنا، وسواء وردت الإجارة على العين أم في الذّمة، لثبوت الاستحقاق حالاً، والتأخير الواقع من ضرورة القسمة‏.‏

أما إذا اشترطا - في الصّورة الثانية - أن يركبها المؤجّر أولاً فإنّ العقد باطل في إجارة العين ‏;‏ لتأخير حقّ المكتري وتعلّق الإجارة بالمستقبل‏.‏

وإن استأجرا دابةً على أن يركب أحدهما بعض الطريق ويركب الثاني البعض الآخر دون تحديد هذا البعض فإن كانت هناك عادة مضبوطة بزمان مثل أن يركب هذا ليلاً ويمشي نهاراًً، أو يركب الآخر نهاراًً ويمشي ليلاً، أو بمسافة مثل أن يركب أحدهما بفراسخ معلومة ويركب الآخر بفراسخ معلومة أخرى اتّبعت هذه العادة فيقتسمان الرّكوب بالتراضي على الوجه المعتاد أو المبين، فإن تنازعا في الابتداء أقرع بينهما‏.‏

والزمان المحسوب في المناوبة زمن السير دون زمن النّزول حتى لو نزل أحدهما للاستراحة أو لعلف الدابة لم يحسب زمن النّزول ‏;‏ لأنّ نفس الزمان غير مقصود وإنّما المقصود قطع المسافة‏.‏

ولو استأجر اثنان دابةً لا تحملهما معاً حمل الاستئجار على التعاقب ويقتسمان بالزمان أو المسافة فإن تنازعا في البداءة أقرع بينهما‏.‏

وإن كانت تحملهما معاً ركباها جميعاً‏.‏

ولو استأجر دابةً ليركبها بعض الطريق متوالياً صح، وكذا لو أطلق، أو استأجر نصف الدابة إلى موضع كذا صحت الإجارة مشاعةً كبيع المشاع ويأخذ حصته بالزمان أو المسافة كما سبق فإن تنازعا في البداءة أقرع بينهما كما مر‏.‏

وإن اتفقا على أن يركب يوماً ويمشي يوماً جاز، وإن اتفقا على أن يركب ثلاثة أيام ويمشي ثلاثة أيام أو ما زاد ونقص جاز كذلك‏.‏

فإن اختلفا لم يجبر الممتنع منهما ‏;‏ لأنّ فيه ضرراً على كلّ واحد منهما، الماشي لدوام المشي عليه، على الدابة لدوام الرّكوب عليها ‏;‏ ولأنّه إذا ركب بعد شدة تعبه كان أثقل على الدابة‏.‏

وإن اكترى اثنان جملاً يركبانه عقبةً وعقبةً جاز ويكون كراؤهما طول الطريق والاستيفاء بينهما على ما يتفقان عليه، وإن تشاحا قسم بينهما لكلّ واحد منهما فراسخ معلومة أو لأحدهما الليل وللآخر النهار، وإن كان بذلك عرف رجع إليه، وإن اختلفا في البادئ منهما أقرع بينهما‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ويحتمل أن لا يصح كراؤهما إلا أن يتفقا على ركوب معلوم لكلّ واحد منهما، لأنّه عقد على مجهول بالنّسبة إلى كلّ واحد منهما فلم يصح كما لو اشتريا عبدين على أنّ لكلّ واحد منهما عبداً معيناً منهما‏.‏

ومقابل الأصحّ لدى الشافعية أوجه‏:‏ أصحّها المنع، أي منع كراء العقب بصورتيه ‏;‏ لأنّها إجارة أزمان منقطعة‏.‏

والثاني‏:‏ يصحّ كراء العقب في الصّورة التي تؤجر الدابة فيها لرجلين ‏;‏ لاتّصال زمن الإجارة فيها دون الصّورة الأخرى وهي التي يتعاقب في ركوب الدابة المؤجّر والمستأجر‏.‏ والثالث‏:‏ تصحّ في الصّورتين إن كانت في الذّمة‏.‏

قال الإمام المزنيّ‏:‏ لا يجوز اكتراء العقبة إلا مضموناً، لأنّه يتأخر حقّ أحدهما عن العقد فلم يجز كما لو أكراه ظهراً في مدة تتأخر عن العقد‏.‏

ولا يصحّ في هذا الوجه إن كانت معينةً‏.‏

وهذا التفصيل الذي سبق إنّما هو عند الشافعية والحنابلة‏.‏

وجاء في نصوص الحنفية ما يفيد جواز كراء العقب، ففي باب الحجّ عند الكلام عن الراحلة ما نصه‏:‏ وإن أمكنه أن يكتري عقبةً أي ما يتعاقب عليه في الرّكوب فرسخاً بفرسخ أو منزلاً بمنزل فلا حج عليه ‏;‏ لعدم الراحلة إذ ذاك في جميع السفر لأنّ المفروض هو الحجّ راكباً لا ماشياً والراكب عقبةً لا يركب في كلّ الطريق بل يركب في البعض ويمشي في البعض الآخر‏.‏

وهذا يدلّ على أنّ كراء العقب في أصله جائز عندهم ولا سيما الصّورة التي يكتري فيها الاثنان راحلةً يتعاقبان عليها يركب أحدهما مرحلةً والآخر مرحلةً أخرى لنصهم على هذه الصّورة‏.‏

ونص المالكية على أنّه يجوز عقبة الأجير، قالوا في شرح هذه العبارة التي وردت في مختصر خليل‏:‏ أي يجوز للمكري اشتراط ركوب الأجير الميل السادس على الدابة مع المكتري أو بدله ويمشيه المكتري لأنّه أمر معروف‏.‏

ويجوز للمستأجر أن يشترط على الجمال أنّه بعد كلّ خمسة أميال يركب خدام المستأجر الميل السادس أو بما جرى عليه العرف أو بما يتفقان عليه من مسافة قليلة أو كثيرة مما يدلّ على أنّ كراء العقب في الأصل جائز عندهم‏.‏

كَرامة

التعريف

1 - الكرامة لغةً‏:‏ مصدر كرم، يقال‏:‏ كرم الرجل كرامةً‏:‏ عز‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ تطلق على عدة معان‏:‏ فتطلق أولاً‏:‏ بمعنى‏:‏ ظهور أمر خارق للعادة على يد شخص ظاهر الصلاح غير مقارن لدعوى النّبوة والرّسالة‏.‏

وتطلق ثانياً‏:‏ بمعنى‏:‏ الإعزاز والتفضيل والتشريف، وتطلق ثالثاً‏:‏ بمعنى‏:‏ إكرام الضيف‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المعجزة‏:‏

2 - المعجزة في اللّغة‏:‏ هي ما يعجز الخصم عند التحدّي‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ هي أمر خارق للعادة مقرون بدعوى النّبوة قصد به إظهار صدق من ادعى النّبوة مع عجز المنكرين عن الإتيان بمثله‏.‏

وعلى هذا فالمعجزة أخصّ من الكرامة‏.‏

ب - الإرهاص‏:‏

3 - الإرهاص‏:‏ ما يظهر من الخوارق قبل ظهور النبيّ‏.‏

والكرامة أعمّ منه‏.‏

ج - الاستدراج‏:‏

4 - الاستدراج‏:‏ ما يظهر من خارق للعادة على يد كافر أو فاسق‏.‏

والصّلة بين الاستدراج والكرامة الضّدية من حيث المقصود‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالكرامة

الكرامة بمعنى التشريف والإعزاز

5 - الكرامة بمعنى التشريف والإعزاز، منزلة جعلها الله لبني آدم وفضلهم بها على كثير من خلقه، قال عز من قائل‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً‏}‏، قال ابن كثير في تفسير الآية‏:‏ أي‏:‏ لقد شرفنا ذرّية آدم على جميع المخلوقات، بالعقل، والعلم، والنّطق، وتسخير ما في الكون لهم، وفضلناهم على من خلقنا من سائر الحيوانات، وأصناف المخلوقات من الجنّ، والبهائم والوحش والطير، وقد حافظ الإسلام على هذه المنزلة لبني آدم جعله مبدأ الحكم، وأساس المعاملة، وأحاطه بسياج من التشريعات، فلا يحلّ لأحد إهدار كرامة أحد بالاعتداء عليها‏:‏ بالقتل، قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً‏}‏ أو بهتك عرضه، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً‏}‏، أو بالسّخرية منه والاستهزاء به، قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ‏}‏، ونهى عن المثلة في حياته، وبعد مماته، ولو كان من الأعداء أثناء الحرب، وبعد انتهائها، وفي الحديث‏:‏ «لا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا»‏.‏

‏(‏ر‏:‏ جهاد ف / 31‏)‏‏.‏

إكرام الضيف

6 - رغب الإسلام في كرامة الضيف وعدها من أمارات صدق الإيمان، فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»‏.‏

كرامة العلماء وكبار السّنّ، وحملة القرآن وأهل الفضل

7 - حث الإسلام على توقير العلماء وكبار السّنّ وحملة القرآن، وأهل الفضل، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏، وفي الحديث‏:‏ «إنّ من إجلال الله تعالى‏:‏ إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، والجافي عنه، وإكرام ذي السّلطان المقسط»، وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ما أكرم شابّ شيخاً لسنّه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنّه»‏.‏

الكرامة بمعنى ظهور أمر خارق للعادة على يد غير نبيّ

8 - ذهب جمهور علماء أهل السّنّة إلى جواز ظهور أمر خارق للعادة على يد مؤمن ظاهر الصلاح إكرامًا من الله له، وإلى وقوعها فعلاً، ويسمى وليّاً‏.‏

والوليّ في هذا المقام‏:‏ هو العارف بالله تعالى وبصفاته حسب الإمكان، والمواظب على الطاعة المجتنب للمعاصي، بمعنى أنّه لا يرتكب معصيةً بدون توبة، وليس المراد أنّه لا يقع منه معصية بالكلّية، لأنّه لا عصمة إلا للأنبياء ‏(‏ر‏:‏ ولاية‏)‏‏.‏

واستدلّوا على جوازها بأنّه لا يلزم على فرض وقوعها محالّ، وكلّ ما كان كذلك فهو جائز‏.‏ واستدلّوا على وقوعها بما جاء في القرآن الكريم في قصة مريم قال عز من قائل‏:‏ ‏{‏وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏، قال البيضاويّ في تفسير الآية‏:‏ هذا دليل جواز الكرامة للأولياء، وفي حاشية الشيخ زاده على تفسير البيضاويّ‏:‏ لأنّ حصول الرّزق عندها على الوجه المذكور لا شك أنّه أمر خارق للعادة ظهر على يد من لا يدعي النّبوة، وليس معجزةً لنبيّ، لأنّ النّبي الموجود في ذلك الزمان هو زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولو كان ذلك معجزةً له لكان عالماً بحاله، ولم يشتبه أمره عليه ولم يقل لمريم‏:‏ ‏{‏أَنَّى لَكِ هَـذَا‏}‏ وأيضاً قوله تعالى بعد هذه الآية‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء‏}‏، مشعر بأنّه لما سألها عن أمر تلك الأشياء - قيل‏:‏ أنّه كان يجد عندها فاكهة الشّتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشّتاء - لما سألها عن تلك الأشياء غير العادية، وذكرت له‏:‏ أنّ ذلك من عند الله، هنالك طمع في انخراق العادة بحصول الولد من المرأة العاقر الشيخة، بناء على أنّه كان يائساً من الولد بسبب شيخوخته وشيخوخة زوجته وعقمها، فلو لم يعتقد ما رآه في حقّ مريم من الخوارق وأنّ ذلك العلم لم يحصل له إلا بإخبار مريم - لو لم يعتقد ذلك كله لما كانت رؤية تلك الخوارق في مريم سبباً لطمعه بولادة العاقر، والشيخ الكبير - وإذا ثبت ذلك‏:‏ ثبت أنّ تلك الخوارق ما كانت معجزةً لزكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ولا لنبيّ غيره، لعدم وجوده، فتعين أنّها كرامة لمريم فثبت المطلوب‏.‏

كما استدلّوا على وقوعها بقصة أهل الكهف التي وردت في سورة الكهف، فإنّهم كانوا فتيةً سبعةً من أشراف الرّوم خافوا على إيمانهم من ملكهم فخرجوا من المدينة، ودخلوا غاراً فلبثوا فيه بلا طعام ولا شراب ثلثمائة وتسع سنين بلا آفة، ولا شك أنّ هذا شيء خارق للعادة ظهر على يد من لم يدع النّبوة، ولا الرّسالة‏.‏

وكذلك بقصة الذي كان عنده علم من الكتاب في زمن سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام‏:‏ فقد أتى بعرش بلقيس قبل أن يرتد طرف سليمان إليه مع بعد المسافة بين اليمن والشام فرأى سليمان العرش مستقرّاً عنده بلمحة طرف العين، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي‏}‏‏.‏

وكذلك بما وقع للصحابة من كرامات في حياتهم وبعد موتهم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ وجّه عمر جيشاً، ورأس عليهم رجلاً يدعى‏:‏ سارية، فبينا عمر رضي الله عنه يخطب جعل ينادي‏:‏ يا سارية‏:‏ الجبل ثلاث مرات، ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين هزمنا فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتاً ينادي‏:‏ يا سارية إلى الجبل ثلاث مرات فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله تعالى، وكانت المسافة بين المدينة حيث كان يخطب عمر وبين مكان الجيش مسيرة شهر‏.‏

وأخرج البخاريّ عن أنس رضي الله عنه‏:‏ «أنّ رجلين خرجا من عند النبيّ صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا فتفرق النّور معهما»، وفي رواية‏:‏ «أنّ الرجلين هما عباد بن بشر وأسيد بن حضير»‏.‏

ووقعت للصحابة كرامات بعد موتهم، روى أبو نعيم في الحلية‏:‏ «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حنظلة رضي الله عنه‏:‏ وقد استشهد في أحد‏:‏ إنّ صاحبكم تغسله الملائكة فاسألوا أهله ما شأنه‏؟‏ فسئلت صاحبته، فقالت‏:‏ إنّه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لذلك غسلته الملائكة»‏.‏

ولا تزال تقع الكرامات لصلحاء المؤمنين، لأنّ الله جلت قدرته وعد أن ينصرهم ويعينهم، ويؤيّدهم، جاء في الحديث القدسيّ‏:‏ «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنّوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه»، وهذا كناية عن نصرة الله للعبد الصالح وتأييده، وإعانته، حتى كانه سبحانه‏:‏ ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها، ولذا جاء في رواية‏:‏ «فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي»، ومن كانت هذه صلته بالله فلا يستبعد أن يكرمه بظهور ما لا يطيقه غيره على يديه تكريماً له‏.‏

وأنكر أبو إسحاق الإسفرايينيّ وأبو عبد الله الحليميّ حصول ما يخرق العادة على يد غير نبيّ، وقالوا‏:‏ إنّ الخوارق دلالات صدق الأنبياء، ودليل النّبوة لا يوجد عند غير النبيّ، ولأنّها لو ظهرت بأيدي الأولياء لكثرت بكثرتهم، ولخرجت عن كونها خارقةً للعادة، والفرض أنّها كذلك‏.‏

قول من ادعى ما لا يمكن عادةً

9 - إذا ادعى أحد ما لا يمكن عادةً، ويمكن بالكرامة فلا يقبل شرعاً وهو لغو، كأن ادعى أنّه رهن داره بالشام وأقبضه إياها، وهما بمكة لم يقبل قوله، قال القاضي أبو الطيّب‏:‏ وهذا يدلّ على أنّه لا يحكم بما يمكن من كرامات الأولياء، وكذا إن تزوج بامرأة في المغرب وهو بالمشرق وولدت لستة أشهر لا يلحقه، لأنّ هذه الأمور لا يعول عليها بالشرع، وإن خص الشارع شخصاً بحكم يبقى الحكم خاصّاً به، ولا يتعداه إلى غيره بالقياس، كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه»، وهذه مكرمة خاصة بخزيمة بعد شهادته بشهادتين، فلا يقاس عليه غيره لأنّه كرامة مختصة به، ولا يقاس عليه غيره

كَراهة

التعريف

1 - الكراهة في اللّغة مصدر كره، يقال‏:‏ كره الشيء كرهاً وكراهةً وكراهيةً فلا أحبه، فهو كريه ومكروه‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ خطاب الشارع المقتضي الكف عن الفعل اقتضاءً غير جازم‏.‏

أقسام الكراهة

2 - قال الزركشيّ‏:‏ قد تكون الكراهة شرعيةً، وقد تكون إرشاديةً أي لمصلحة دنيوية، ومنه «كراهة النبيّ صلى الله عليه وسلم أكل التمر لصهيب وهو أرمد»، ومنه كراهة الماء المشمس على رأي‏.‏

وتنقسم الكراهة إلى كراهة تحريمية، وكراهة تنزيهية‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ قد يطلق المكروه على الحرام، كقول القدوريّ في مختصره‏:‏ ومن صلى الظّهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له كره له ذلك، ويطلق على المكروه تحريماً، وهو ما كان إلى الحرام أقرب ويسمّيه محمد حراماً ظنّيّاً‏.‏

ويطلق على المكروه تنزيهاً وهو ما كان تركه أولى من فعله، ويرادف خلاف الأولى، وفي البحر من مكروهات الصلاة في هذا الباب نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما كره تحريماً، وهو المحمل عند إطلاقهم الكراهة، وذكر في فتح القدير‏:‏ أنّه في رتبة الواجب لا يثبت إلا بما يثبت به الواجب يعني بالظنّيّ الثّبوت‏.‏

ثانيهما‏:‏ المكروه تنزيهاً، ومرجعه إلى ما تركه أولى، وكثيراً ما يطلقون ‏"‏ الكراهة ‏"‏‏.‏‏.‏‏.‏ فحينئذ إذا ذكروا مكروهاً فلا بد من النظر في دليله، فإن كان نهيا ظنّيّاً يحكم بكراهة التحريم، إلا لصارف للنهي عن التحريم إلى النّدب، فإن لم يكن الدليل نهيا، بل كان للترك غير الجازم فهي تنزيهية‏.‏

قال الزركشيّ‏:‏ ويطلق ‏"‏ المكروه ‏"‏ على أربعة أمور‏.‏

أحدها‏:‏ الحرام، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً‏}‏ أي محرماً‏.‏ ووقع ذلك في عبارة الشافعيّ ومالك، ومنه قول الشافعيّ في باب الآنية‏:‏ وأكره آنية العاج، وفي باب السلم‏:‏ وأكره اشتراط الأعجف والمشويّ والمطبوخ ‏;‏ لأنّ الأعجف معيب، وشرط المعيب مفسد، قال الصيدلانيّ‏:‏ وهو غالب في عبارة المتقدّمين كراهة أن يتناولهم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ‏}‏ فكرهوا إطلاق لفظ التحريم‏.‏

الثاني‏:‏ ما نهي عنه نهي تنزيه وهو المقصود هنا‏.‏

الثالث‏:‏ ترك الأولى، كصلاة الضّحى لكثرة الفضل في فعلها، حكى الإمام في النّهاية‏:‏ أنّ ترك غسل الجمعة مكروه مع أنّه لا نهي فيه، قال‏:‏ وهذا عندي جار في كلّ مسنون صح الأمر به مقصوداً‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيّده نص الشافعيّ في الأمّ على أنّ ترك غسل الإحرام مكروه، وفرق معظم الفقهاء بينه وبين الذي قبله‏:‏ أنّ ما ورد فيه نهي مقصود يقال فيه‏:‏ مكروه، وما لا، يقال فيه خلاف الأولى ولا يقال‏:‏ مكروه‏.‏

الرابع‏:‏ ما وقعت الشّبهة في تحريمه كلحم السبع ويسير النّبيذ، هكذا عدّه الغزاليّ في المستصفى من أقسام الكراهة، وبه صرح أصحابنا في الفروع في أكثر المسائل الاجتهادية المختلف في جوازها، لكنّ الغزالي استشكله بأنّ من أداه اجتهاده إلى تحريمه فهو عليه حرام، ومن أداه اجتهاده إلى حلّه فلا معنى للكراهة في حقّه، إلا إذا كان في شبهة الخصم حزازة في نفسه، ووقع في قلبه، فلا يصلح إطلاق لفظ الكراهة ‏;‏ لما فيه من خوف التحريم، وإن كان غالب الظنّ الحل، ويتجه هذا على مذهب من يقول‏:‏ المصيب واحد، وأما على قول من يقول‏:‏ كلّ مجتهد مصيب فالحلّ عنده مقطوع به إذا غلب على ظنّه‏.‏

3 - وهل إطلاق الكراهة على هذه الأمور من المشترك أو هو حقيقة في التنزيه مجاز في غيره، وهل المكروه من التكليف أم لا وهل المكروه من القبيح أم لا يوصف بقبح ولا حسن، وهل المكروه يدخل تحت الأمر المطلق أم لا، وهل هو منهيّ عنه أم لا وهل ترك المندوب يعتبر من المكروه تنزيهاً أم لا‏؟‏‏.‏

وتفصيل ذلك كلّه ينظر في الملحق الأصوليّ‏.‏

خلاف الأولى

4 - قال الزركشيّ‏:‏ هذا النوع أهمله الأصوليّون وإنّما ذكره الفقهاء وهو واسطة بين الكراهة والإباحة، واختلفوا في أشياء كثيرة هل هي مكروهة، أو خلاف الأولى كالنّفض والتنشيف في الوضوء وغيرهما‏؟‏

قال إمام الحرمين‏.‏‏.‏‏.‏ التعرّض للفصل بينهما مما أحدثه المتآخرون، وفرقوا بينهما بأنّ ما ورد فيه نهي مقصود يقال فيه‏:‏ مكروه، وما لا فهو خلاف الأولى ولا يقال‏:‏ مكروه، والمراد بالنهي المقصود أن يكون مصرحاً به كقوله‏:‏ لا تفعلوا كذا، أو نهيتكم عن كذا، بخلاف ما إذا أمر بمستحبّ فإنّ تركه لا يكون مكروهاً، وإن كان الأمر بالشيء نهيا عن ضدّه ‏;‏ لأنّا استفدناه باللازم وليس بمقصود، وقال في موضع آخر‏:‏ إنّما يقال‏:‏ ترك الأولى إذا كان منضبطاً كالضّحى وقيام الليل، وما لا تحديد له ولا ضابط من المندوبات لا يسمى تركه مكروهاً، وإلا لكان الإنسان في كلّ وقت ملابساً للمكروهات الكثيرة من حيث إنّه لم يقم فيصلّي ركعتين، أو يعود مريضاً ونحوه‏.‏

قال الزركشيّ بعد نقل هذه الأقوال‏:‏ والتحقيق‏:‏ أنّ خلاف الأولى قسم من المكروه، ودرجات المكروه تتفاوت كما في السّنّة، ولا ينبغي أن يعد قسماً آخر وإلا لكانت الأحكام ستةً وهو خلاف المعروف أو كان خلاف الأولى خارجاً عن الشريعة وليس كذلك، وهذا رأي بعض الحنفية حيث قال‏:‏ إنّ مرجع كراهة التنزيه خلاف الأولى‏.‏

وأشار بعضهم إلى أنّه قد يفرق بينهما بأنّ خلاف الأولى ما ليس فيه صيغة نهي كترك صلاة الضّحى، بخلاف المكروه تنزيهاً، قال في البحر‏:‏ ولا يلزم من ترك المستحبّ ثبوت الكراهة ‏;‏ إذ لا بد لها من دليل خاصّ، وقال ابن عابدين عقب هذا الكلام‏:‏ أقول وهذا هو الظاهر ‏;‏ إذ لا شبهة أنّ النّوافل من الطاعات كالصلاة والصوم ونحوهما فعلها أولى من تركها بلا عارض، ولا يقال‏:‏ إنّ تركها مكروه تنزيهاً‏.‏

كِرْدار

التعريف

1 - الكِرْدار - ويسمى بخوارزم حق القرار - فارسيّ يطلق على ما يبنى أو يغرس في الأرض المحتكرة للوقف، والأراضي التي حازها الإمام لبيت المال ويدفعها مزارعةً إلى الناس بالنّصف فيصير لهم فيها بناء وغرس أو كبس بالتّراب‏.‏

الحكم الإجماليّ‏:‏

2 - يجوز لمستأجري الأراضي المحتكرة للوقف ونحوها بيع ما أحدثوه فيها من بناء، أو غرس، أو كبس بالتّراب إذا كان الكِرْدار معلوماً ‏;‏ لأنّ ما أحدثه فيها ملكه، وله في الأرض حقّ القرار فيجوز له بيعه‏.‏

وأما الشّفعة في الكردار فينظر تفصيله في مصطلح ‏(‏كدك ف / 11‏)‏‏.‏

كُرّ

انظر‏:‏ مقادير‏.‏

َكُرّاث

التعريف

1 - الكُرّاث لغةً بفتح الكاف وضمّها وتشديد الراء‏:‏ بقل معروف خبيث الرائحة كريه العرق‏.‏

ويقال‏:‏ الكَرَاث بفتح الكاف وتخفيف الراء، وهو ضرب من النبات واحدته كراثة وبه سمّي الرجل كراثةً‏.‏

قال أبو حنيفة الدينوريّ‏:‏ الكَرَاث شجرة جبلية لها خضرة ناعمة ليّنة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - البقل‏:‏

2 - وهو كلّ ما يُنبت الربيع، وكلّ نبات اخضرت به الأرض، وكلّ ما ينبت أصله وفرعه في الشّتاء فهو بقل‏.‏

فهو أعمّ من الكراث‏.‏

ب - الثّوم‏:‏

3 - بقلة معروفة قوية الرائحة، وهي ببلد العرب كثيرة، منها برّيّ ومنها ريفيّ، واحدته ثومة‏.‏

والكراث والثّوم نوعان مختلفان من البقل‏.‏

ج - البصل‏:‏

4 - نبات معروف ينمو تحت الأرض وله جذور دقيقة ويؤكل نيئاً أو مطبوخاً، واحدته بصلة‏.‏

وهو غير الكراث وهما نوعان مختلفان‏.‏

د - الفجل‏:‏

5 - بقلة حولية وله أرومة خبيثة الجشاء، واحدته فُجْلة - بضمّ الفاء وسكون الجيم - وفُجُلة - بضمّ الفاء والجيم -‏.‏

وهو غير الكراث، وهما نوعان مختلفان من البقول‏.‏

ما يتعلق بالكراث من أحكام

حكم أكله وأثره في حضور الجماعة

6- اتفق الفقهاء على أنّ من الأعذار التي تبيح التخلّف عن الجماعة‏:‏ أكل كلّ ذي رائحة كريهة كبصل وثوم وكراث وفجل إذا تعذر زوال رائحته لحديث جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من أكل من هذه البقلة الثّوم وقال مرةً‏:‏ من أكل البصل والثّوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإنّ الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم»‏.‏

والتفصيل في مصطلح ‏(‏صلاة الجماعة ف / 33‏)‏‏.‏

7- وهذا الحكم فيمن أراد الذهاب إلى المسجد، أما من لم يرد الذهاب للمسجد فصرح الفقهاء أيضاً بكراهية أكله إلا لمن قدر على إزالة ريحها‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ويكره أكل البصل والثّوم والكراث والفجل وكلّ ذي رائحة كريهة من أجل رائحته، سواء أراد دخول المسجد أم لم يرد، لأنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس»‏.‏

وفي حاشية الدّسوقيّ‏:‏ وأما أكله خارج المسجد في غير الجمعة فمكروه إن لم يرد الذهاب للمسجد، وإن أراد الذهاب إلى المسجد فالمعتمد أنّه حرام‏.‏

وقال القليوبيّ‏:‏ وأكلها مكروه في حقّه صلى الله عليه وسلم على الراجح وكذا في حقّنا ولو في غير المسجد‏.‏ نعم‏.‏ قال ابن حجر وشيخ الإسلام‏:‏ لا يكره أكلها لمن قدر على إزالة ريحها ولا لمن لم يرد الاجتماع مع الناس، ويحرم أكلها بقصد إسقاط واجب كالجمعة ويجب السعي في إزالة ريحها‏.‏

وحكى النّوويّ إجماع من يعتدّ به على أنّ هذه البقول حلال‏.‏

أكل الزوجة للكراث

8 - صرح الفقهاء بأنّ من حقّ الزوج على زوجته أن يمنعها من أكل ما له رائحة كريهة كثوم أو بصل أو كراث لأنّه يمنع القبلة وكمال الاستمتاع‏.‏

ففي فتح القدير والفتاوى الهندية‏:‏ وله أن يمنعها من أكل ما يتأذى من رائحته‏.‏

وفي الشرح الصغير‏:‏ يجوز للزوج منعها من أكل كلّ ما له رائحة كريهة ما لم يأكله معها أو يكن فاقد الشمّ وأما هي فليس لها منعه من ذلك ولو لم تأكل‏.‏

وفي مغني المحتاج‏:‏ وله منعها من أكل ما يتأذى من رائحته كبصل أو ثوم‏.‏

وفي كشاف القناع‏:‏ وتمنع الزوجة من أكل ما له رائحة كريهة كبصل أو ثوم وكراث لأنّه يمنع كمال الاستمتاع‏.‏

وهناك قول للحنابلة أنّه ليس للزوج منع الزوجة من ذلك لأنّه لا يمنع الوطء‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏عشرة ف / 14‏)‏‏.‏

السلم في الكراث

9 - اختلف الفقهاء في صحة السلم في البقول وألتي منها الكراث، فذهب الحنفية وهو قول الحنابلة في المذهب إلى عدم صحة ذلك لأنّ البقول من ذوات الأمثال ‏;‏ ولأنّها تختلف ولا يمكن تقديرها بالحزم‏.‏

وذهب المالكية والشافعية وهو رواية للحنابلة إلى صحة ذلك‏.‏

بيع الكراث

10 - اتفق الفقهاء في الجملة على صحة بيع الكراث بعد بدوّ صلاحه لعموم حديث ابن عمر «أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثّمار حتى يبدو صلاحها»‏.‏

ولهم في ذلك تفصيلات وخلاف ينظر في مصطلح ‏(‏بيع منهيّ عنه ف / 70 - 87‏)‏‏.‏